Saturday, December 27, 2008
بشكل مفاجيء
Monday, December 08, 2008
عشرة جنيهات .. من مجموعة عفاريت الراديو
عشرة جنيهات
قصة
أمسكت بيدها حتى تجاوزنا زحام الطلبة ووقفنا بجوار باب الكلية ، قلت لها كلامًا كثيرًا لا أذكره ، ضربت الكثير من الأمثلة وبالغت في بعض المشاعر وقطعت وعودًا صبيانية ، ولاحظت أن شابًا جالسًا على الرصيف ينظر لي مبتسمًا وهو يهز برأسه بمعنى أنني – بالتأكيد - أردد الاسطوانة المعتادة ، ولم تكن لديّ اسطوانات ولا تجارب ، وكان الكلام الذي يبدو معادًا يخرج مني لأول مرة ، لكنني أيضًا لم يكن لديّ نية الاستمرار ، واليوم انتهت الإمتحانات ولابد لي أن أعود إلى مدينتي البعيدة ، وكانت واقفة أمامي بجسدها الصغير ووجهها المندهش ، تهز برأسها فتبدو كأنها تصدقني ، ودّعتها ثم التفتّ إلى حيث الشاب المبتسم فلم أجد أحدًا ، وشعرت بخوف طفيف مالبث أن أطاح به الحر والزحام .
في ميدان المحطة بدأت الشمس تميل للمغيب ، حاولت أن ألحق بمكان في أي سيارة أجرة متجهة إلى مدينتنا الصغيرة ، لم أجد واحدة ووجدت خلقًا كثيرين وطلبة جامعيين ينتظرون مثلي ، قدّرت أن الانتظار قد يطول ، وعضّني الجوع ، عددت جنيهاتي القليلة فوجدتها تسمح ببعض السندوتشات ، وما لبثت أن لمحت عربة لبيع الكبدة في الطرف البعيد من الميدان .
العربة تعامدت على فتحة ضيقة جدا بين بنايتين متلاصقتين امتدت بينهما لافتات تهنيء الشعب بنجاة الرئيس من محاولة اغتيال خارج البلاد ، أسفل اللافتات وضع البائع داخل الفتحة عدة كراس صغيرة ، سحب كرسيًا فجلست بالداخل وحيدًا وإذا بي انقطعت تمامًا عن الميدان ، طلبت عددًا من الأرغفة ، فبدأ يقلب الكبدة والسجق ليتصاعد منهما البخار ، ووبالسكين الكبير يقطع الأرغفة أنصافًا متساوية ويناولني ، " مسافر ؟ " ، سألني فأجبت بالإيجاب ، عرف مني اسم مدينتي ونوع دراستي والسنة التي أدرس بها ، يتحدث ويتحدث بمخارج ألفاظ مشوهة أفهمها بصعوبة ، بين لحظة وأخرى يمسّد شاربه بالسكّين ويعود لتقطيع الأرغفة ، ولا يتوقف عن تقديم مزيد من السندويتشات لي ، أقنعت نفسي أنني كنت أكثر جوعًا مما ظننت فأكلت عددًا أكبر مما طلبت ، انتهيت ونهضت لأدفع حسابي وأمشي ، " عشرة جنيهات " قال .
" كم ؟ " سألت مصدومًا ، وكنت قدرت مالا يزيد عن نصف ذلك ، لم تتغير نظرة البائع ولاحظت لأول مرة ندوب وجهه ، " عشرة جنيهات ؟" سألت مستنكرًا والتفّت أبحث عن حكم ولم يكن بالمكان غيرنا ، نادى البائع فجاء شاب آخر يشبهه ويؤيد موقفه " شوف كيلو الكبدة بكام يا كابتن " ، قالها الشاب الآخر الذي سدّ المدخل مسددًا لي نفس نظرة البائع الحجرية .
في الميدان كان الليل قد هبط ، وكانت أكثر من سيارة تنادي الركاب ، أحد المنادين دفعني دفعًا داخل سيارة ولكنني نزلت منها ، وقدرت أن ما تبقى معي لن يكفي سوى لتذكرة الأوتوبيس الذي ستقوم رحلته الأخيرة بعد حوالي ساعتين .
محطة الأوتوبيس ازدحمت برجال في جلابيب زرقاء ونسوة ملفحات بالسواد ، جلست على الرصيف وسط روائح المش والبيض والعرق ، ورأيت من بعيد شخصًا يشبه الشاب الذي كان يبتسم لكلامي عند الكلية ، فأشحت بوجهي وانحنيت متظاهرًا بربط حذائي
تمت
..
محمد خير
من مجموعة ( عفاريت الراديو ) التي صدرت حديثًا عن دار ملامح